الخميس، ٢٦ فبراير ٢٠٠٩

يوماً قد تجمعنا الحافلة !! (قصة قصيرة)

وحدي أقف بعد يوم ٍ من العمل الشاق منتظراً الحافلة .. ليلة شديدة البرودة تتساقط فيها قطرات من مطر بدأ رقيقاً ثم إزداد رويداً رويداً حتى وصل إلى درجة التوحش .. تتسلل البرودة القارسة عبر ثيابي حتى تصل إلى عظامي فأمد يدي المرتعشة لأحكم إغلاق معطفي الثقيل عله يجلب لي بعضاً من الدفء والذى بدا لي كحلم بعيد المنال.
طال إنتظاري وحيداً ثم بدا لي ما يشبه شبح حافلة تقترب من بعيد ، يظهر المطر منهمراً تحت ضوئها الأمامي القوي والذي جعل من الرؤية شيئاً عسيراً.
كانت حافلة بلا لوحات تشير إلى الجهة التي ستذهب إليها . أشرت بيدي وأنا أعلم جيداً أن السائق لن يتوقف، لكنه - ويالا العجب - توقف وفتح الباب الأمامي فبادرت بسؤاله :
- بتروح مصر الجديدة يا أسطى ؟
- لأ يا أستاذ أنا رايح شبرا، مفيش حاجة بتروح مصر الجديدة من هنا ممكن تركب معايا وتنزل رمسيس وتغير من هناك.
في الواقع كان إقتراحاً جيداً وربما بدا لي أفضل الحلول المتاحة بدلاً من الإنتظار تحت وطأة الأمطار والبرودة القارسة .. وهكذا وجدت نفسي أجلس على مقعد منفرد من مقاعد الحافلة الشبه خاليه .. عدد قليل جداً من الركاب لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة .. لم أتعجب من ذلك فمن هو ذلك الشخص الذي تسول له نفسه الخروج في ذلك الطقس ؟!
دغدغ الدفء الموجود داخل الحافلة حواسي فشعرت بإسترخاء شديد استسلمت له وأنا أقاوم الرغبه في النعاس والتي أشعلتها بداخلي تلك الإهتزازات الناعمة للحافله والتي تسير على أرض ملساء زلقة من أثر الأمطار المنهمرة. بذلت العديد من المحاولات المضنيه - والتي قد باءت جميعها بالفشل - لكي أتطلع إلى الطريق من خلال النافذة الزجاجية والتي قد حولها البخر المتكون فوقها إلى ما يشبه المرآة. وفي ذلك الإنعكاس رأيتها ..وحيدة تجلس على أحد مقاعد الحافلة منكمشة بجسدها الضئيل كعصفور مبتل .. فاتنة هي .. أجل فاتنة .. بكل ما تعنيه الفتنة ..وجه رقيق جميل .. ملامح ملائكية بريئة .. إلتفت إليها متطلعاً إلى وجهها العذب وأنا لا أدري ماذا أصابني ! خفقات قلبي تتسارع وأشعر بخفقة جديدة لا أدري كنهها لكنها تهتف في أعماقي .. إنها هي .. أجل هي .. هي من أنتظرها منذ سنوات هي من كون خيالي صورتها وحفرها بداخل قلبي منذ نعومة أظافري .. هي من قضيت أياماً طوال أرسم ملامحها الرقيقة على أوراقي حتى من قبل أن أراها .. يرتعش جسدى بقوة في إنتشاء وجزل .. ولما لا وقد قابلتها أخيراً بعد أن ظننت أن ذلك اللقاء سيظل حلماً أحمله بداخلي كما تحمل الأم جنينها إلا أنني الآن - ولحسن حظي - أقابلها. ولذا فلن أضيع هذه الفرصة أبداً .. لن أضيع حلمي بعدما وجدته أمامي حقيقةً مجسداً ...سأحاول متودداً أن أتحدث معها ... سأخبرها عن حلمي .. عن نفسي .. سأخبرها عن أوراقي وأقلامي والتي ساعدتني كثيراً أن أجسد ملامحها .. سأخبرها عن .. أتوقف عن التفكير في هذا الإتجاه متسائلاً ..ولكن ماذا لو رفضت الحديث معي ؟؟.. ماذا لو إعتقدت أني شاب تافه مستهتر يمضي وقته متودداً للفتيات ؟؟ وإرتجف قلبى بشده حينما سألت نفسي وماذا لو كانت مرتبطة بشخص آخر ؟.. بعين متلهفة تفحصت يديها وتنهدت بصوت مسموع وبإرتياح بالغ حينما وجدتهما خاليتين من أي خاتم للخطبة أو الزواج .. إذاً لا يوجد ما يمنعني من التحدث إليها والتقدم لطلب الزواج منها ولكن .. أنا لا أعرف أي شئ عنها حتى أسمها أجهله.. فكرت طويلاً وعينى لا ترى سواها حتى أستقر رأيى على أن أنتظر حتى تغادر الحافلة و أغادرها خلفها وأتتبعها حتى تصل إلى بيتها وهكذا أستطيع أن أتقدم فيما بعد لطلب الزواج منها . أغمضت عيني وتركت لأفكاري العنان .. تخيلتها بجواري تزين إصبعي بخاتم الخطبة وإبتسامة خجلة تعلو شفتيها .. رأيتنا نسير متشابكي الأيدي وذلك الدفء القادم من كفها الرقيق يثير بداخلي كل مشاعر الحب .. تخيلتها تشاركني كل حياتي .. تخيلتنا نطهو سوياً ونأكل سوياً ونخرج سوياً .. تخيلتها تغني بصوت عذب كعصفور رقيق.
- الأستاذ إللي عايز رمسيس يقرب من الباب.
إستفقت من أحلامي على هذه العبارة والتي قالها السائق بصوته الأجش .. حانت مني التفاتة سريعة نحوها ففوجئت بالمقعد خالياً .. لقد غادرت الحافلة حينما كنت غارقاً في أحلامي ولم أنتبه لها.
توقفت الحافلة ونزلتُ منها مشتت الأفكار . حزين .. شارد. أنا المخطئ ..لقد فقدتها إلى الأبد .. ولكن .. لا .. لن أفقدها بعدما لقيتها .. سأجدها .. أجل سأجدها .. سأستقل نفس الحافلة كل يوم .. سأنتظرها في نفس الموعد كل يوم .. ويوماً ما ربما تجمعنا رحلة جديدة.
ووسط البرودة التي إزدادت وطئتها مددت يداً مرتجفة لأمسح بها وجهي الذي لا أدري هل بللته الأمطار أم هي دموعي المنهمرة !!

هناك تعليقان (٢):

نانا يقول...

ياريت القصه دى تكون حقيقه
حلوه ياعمور

أماني يقول...

حلوووووووووة جدا